فصل: مراسلة ملك المغرب ومهاداته.

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: تاريخ ابن خلدون المسمى بـ «العبر وديوان المبتدأ والخبر في أيام العرب والعجم والبربر ومن عاصرهم من ذوي السلطان الأكبر» (نسخة منقحة)



.مراسلة ملك المغرب ومهاداته.

كان ملك المغرب الاقصى من بني مرين المتولين أمره من بعد الموحدين وهو يوسف بن يعقوب بن عبد الحق قد بعث إلى السلطان الناصر سنة أربع وسبعمائة رسوله علاء الدين أيدغدي الشهرزوري من الشهر زورية المقربين هنالك أيام الظاهر بيبرس ومعه هدية حافلة من الخيل والبغال والإبل وكثير من ماعون المغرب وسائر طرفه من الذهب العين في ركب عظيم من المغاربة ذاهبين لقضاء فرضهم فقابلهم السلطان بأبلغ وجوه التكرمة وبعث معهم أميرا لإكرامهم وقراهم في طريقهم حتى قضوا فرضهم وعاد الرسول أيدغدي المذكور من حجه سنة خمس فبعث السلطان معه مكافأة هديتهم بما يليق بها من النفاسة وعين لذلك أميرين من بابه أيدغدي البابلي وأيدغدي الخوارزمي كل منهما لقبه علاء الدين فانتهوا إلى يوسف بن يعقوب بمكانه من حصار تلمسان كما هو في ربيع الآخر سنة ست قابلهم بما يجب لهم ولمرسلهم وأوسع لهم في الكرامة والحباء وبعثهم إلى ممالكه بفاس ومراكش ليتطوفا بها ويعاينا مسرتها وهلك يوسف بن يعقوب بمكانه من حصار تلمسان وانطلق الرسولان المذكوران من فاس راجعين من رسالتهما في رجب سنة سبع في ركب عظيم من أهل المغرب اجتمعوا عليهم لقصد الحج ولقوا السلطان أبا ثابت البزولي من بعد يوسف بن يعقوب في طريقهم فبالغ في التكرمة والإحسان إليهم وبعث إلى مراسلهم الملك الناصر بهدية أخرى من الخيل والبغال والإبل ثم مروا بتلمسان وبها أبو زيان وأبو حموابنا عثمان بن يغمراس فلم يصرفا إليهما وجها من القبول وطلبا منهما خفير يخفرهما إلى تخوم بلادهما لما كانت نواحي تلمسان قد اضطربت بعد مهلك يوسف بن يعقوب وما كان من شأنه فبعث معهما بعض العرب فلم يغن عنهم واعترضهم في طريقهم أشرار على الركب بما فيه ونهبوا جميع الحجاج ورسل الملك الناصر معهم وخلصوا برؤوسهم إلى الشيخ بمر بن زغلي بني يزيد بن زغبة بوطن حمزة بنواحي بجاية فأوصلهم إلى السلطان بجباية أبي البقاء خالد من ولد الأمير أبي زكريا يحيى ابن عبد الواحد بن أبي حفص ملوك أفريقية فكساهم وحملهم إلى حضرة تونس وبها السلطان أبو عصيدة محمد بن يحيى الواثق من بني عمه فبالغ في تكرمتهم وسافر معهم إبراهيم ابن عيسى من بني وسنار أحد أمراء بني مرين كان أميرا على الغراة بالأندلس وخرج لقضاء فرضه فمر بتونس واستنهضه سلطانهم على الإفرنج بجزيرة جربة فسار إليها بقومه ومعه عبد الحق بن عمر بن رحو من أعيان بني مرين وكان الشيخ أبو يحيى زكريا بن أحمد اللحياني يحاصرها في عسكر تونس فأقام معهم مدة ثم استوحش أبو يحيى اللحياني من سلطانه بتونس فلحق بطرابلس وساروا جميعا إلى مصر وتقدم السلطان بإكرامهم حتى قضوا فرضهم وعادوا إلى المغرب واستمد أبو يحيى اللحياني السلطان الناصر فأمده بالأموال والمماليك وكان سببا لإستيلائه على الملك بتونس كما نذكره في أخباره أن شاء الله تعالى.

.وحشة الناصر من كافليه بيبرس وسلار ولحاقه بالكرك وخلعه والبيعة لبيبرس.

ثم عرضت وحشة بين السلطان الناصر وبين كافلية بيبرس وسلار سنة سبع فامتنع من العلامة على المراسم وترددت بينه وبينهم السعاة بالعتاب وركب بعض الأمراء في ساحة القلعة من جوف الليل ودافعهم الحامية في جوف الليل وافترقوا وامتعض السلطان لذلك وإزداد وحشة ثم سعى بكتمر الجوكندار في إصلاح الحال وحمل السلطان على تغريب بعض الخواص من مماليكه إلى القدس بيبرس ينسب إليهم هذه الفتنة ونشأتها من أجلهم ففر بهم السلطان وأعتب الأميرين ثم أعيد الموالي من القدس إلى محلهم من خدمتهم واتهم السلطان الجوكندار في سعايته فسخطه وأبعده وبعثه نائبا عن صفد ثم غص بما هو فيه من الحجر والإستبداد وطلب الحج فهجره بيبرس وسلار وسار على الكرك سنة ثمان وودعه الأمراء واستصحب بعضا منهم فلما مر بالكرك دخل القلعة وأخرج النائب جمال الدين أقوش الأشرف إلى مصر وبعث عن أهله وولده كانوا مع المحمل الحجازي فعادوا إليه من العقبة وصرف الأمراء الذين توجهوا معه وأظهر الإنقطاع بالكرك للعبادة وأذن لهم في إقامة من يصلح لأمرهم فاجتمعوا بدار النيابة وتشاوروا واتفقوا على أن يكون بيبرس سلطانا عليهم وسلار على نيابته وبايعوا بيبرس في شوال سنة ثمان ولقبوه المظفر وقلده الخليفة أبو الربيع وكتب للناصر بنيابة الكرك وعنيت له إقطاع يختص بها وقام سيف الدين سلار بالنيابة على عادة من قبله وأقر أهل الوظائف والرتب على مراتبهم وبعث أهل الشام بطاعتهم واستقر بيبرس في سلطانه والله تعالى أعلم.